responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 579
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)
قِيلَ: الْوَاوُ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى جُمْلَةٍ: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [الْبَقَرَة: 75] فَتَكُونُ حَالًا مِثْلَهَا أَيْ كَيْفَ تَطْمَعُونَ أَنْ يُؤمنُوا لكم وهم يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ وَيَقُولُونَ:
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ. وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْوَاوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْله يَكْتُبُونَ [الْبَقَرَة: 79] إِلَخْ أَيْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ. وَوَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ دَلَّ عَلَى
اعْتِقَادٍ مُقَرَّرٍ فِي نُفُوسِهِمْ يُشِيعُونَهُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ أَنْبَأَ بِغُرُورٍ عَظِيمٍ مِنْ شَأْنه أَن يقدمهم عَلَى تِلْكَ الْجَرِيمَةِ وَغَيْرِهَا إِذْ هُمْ قَدْ آمَنُوا مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً تُعَادِلُ أَيَّامَ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَوْ أَيَّامًا عَنْ كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ من الْعَالم يَوْم وَإِنَّ ذَلِكَ عَذَابٌ مَكْتُوبٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَهُمْ لَا يَتَوَقَّوْنَ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَعَاصِي لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَبِالْعَطْفِ عَلَى أَخْبَارِهِمْ حَصَلَتْ فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ عَقِيدَةٍ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ. وَلِمَوْقِعِ هَذَا الْعَطْفِ حَصَلَتْ فَائِدَةُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ إِذْ يَعْجَبُ السَّامِعُ مِنْ جُرْأَتِهِمْ عَلَى هَذَا الْإِجْرَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَقالُوا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنِ اعْتِقَادٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ فِي الْقَوْلِ حَتَّى تَقُومَ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ عَلَى خِلَافِ الِاعْتِقَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قالُوا آمَنَّا [الْبَقَرَة: 14] وَلِأَجْلِ أَنَّ أَصْلَ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ الِاعْتِقَادِ سَاغَ اسْتِعْمَالُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الظَّنِّ وَالِاعْتِقَادِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: قَالَ مَالِكٌ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ:
عَلَامَ تَقُولُ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي وَالْمَسُّ حَقِيقَتُهُ اتِّصَالُ الْيَدِ بِجِرْمٍ مِنَ الْأَجْرَامِ وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا [1] بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ [الْأَنْعَام: 49] .
وَعَبَّرَ عَنْ نَفْيِهِمْ بِحَرْفِ (لَنِ) الدَّالِّ عَلَى تَأْيِيدِ النَّفْيِ تَأْكِيدًا لِانْتِفَاءِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ بَعْدَ تَأْكِيدٍ، وَلِدِلَالَةِ (لَنْ) عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْأَزْمَانِ تَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ الْأَزْمِنَةِ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيعِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ.
وَالْوَصْفُ بِمَعْدُودَةٍ مُؤْذِنٌ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْدُودِ الَّذِي يَعُدُّهُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْهُ أَوْ تَحَدَّثُوا عَنْهُ، وَقَدْ شَاعَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ

[1] فِي المطبوعة كفرُوا وَهُوَ غلط.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 579
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست